ضحايا الطلاق
حين تتعرَّض الحياة الزوجية للانهيار، وتتحطَّم جميع الوسائل الإصلاحية وتصبح الحياة شقاء وعذاباً لجميع أفراد الأسرة، يأتي الطلاق كآخر وسيلة علاجية ليرتفع الضرر وينتهي الشقاق. ولكن يجب أن تؤخذ هذه المسألة بعين الاعتبار والجد لا بالهزل والاستهتار، فالطلاق له آثاره الخطيرة على الزوجين، والأطفال؛ فهم الضحايا الذين يفتقدون دفء الأسرة والجو العائلي.. ويواجهون صعوبات كثيرة تؤثر سلباً على توافقهم النفسي والاجتماعي.
وقد يؤدي الطلاق إلى اختلال نمو شخصية الطفل، وضعف الثقة بنفسه، وتسيطر عليه مشاعر القلق وانخفاض الطموح وقلة الرغبة في العمل والإنجاز، وضعف التحصيل الدراسي. ويستمر تأثير الطلاق على الأطفال في مرحلة المراهقة، حيث إنَّهم لا يثقون بأنفسهم ولا بالوالدين، ويغلب عليهم الشك والتشاؤم، ويبالغون في التمرد والسلبية وأحلام اليقظة.
إن الهدف الأساسي هو تخفيف المعاناة العاطفية التي تحدث لهؤلاء الأطفال، والطريقة الأساسية لتحقيق ذلك هي مساعدة الطفل على الحفاظ على علاقة وطيدة ومستمرة مع كلا والديه، والتوصيات التالية تساعد ـ بإذن الله تعالى ـ على تحقيق ذلك:
* التأكيد للأطفال بأنهم محبوبون من كلا والديهم: يجب التوضيح للأطفال أنه على الرغم من الخلاف وعدم الاتفاق بين الوالدين على أشياء كثيرة إلا أن الشيء الذي يتفقان عليه تماماً هو حبهما لأطفالهما، ويجب أن يبرهن كل منهما على ذلك بقضاء وقت كاف مع الأطفال، لا سيما الصغار الذين لم يبلغوا سن المدرسة، حيث يحتاجون إلى المزيد من العطف والحنان والاحتضان من كلا الوالدين.
* الحفاظ على استقرار الطفل: يجب أن يبقى الطفل في نفس المنزل أو بالقرب منه، وكلما كان التغيير طفيفاً تمكن الطفل على التأقلم بقدر أكبر مع محنة طلاق والديه، وإن لم يكن ذلك ممكناً، فعلى الأقل يجب ترك الطفل في نفس المدرسة مع مدرسيه وأصدقائه ولو بصفة مؤقتة، ويجب أن تؤكدي للطفل أنه قد ينخفض مستوى معيشته مع محاولة توفير الأساسيات الضرورية له من طعام وملبس ومأوى.
* طمأنة الطفل: فالطفل يحتاج إلى كلا والديه، ويصاب الأطفال الصغار بالاضطراب عند طلاق والديهم، خشية أن يهجرهم أي منهما؛ لذا يجب التأكيد لهم بأنهم سوف يظلون دائماً على اتصال بكليهما، يجب تحديد وقت معلوم وثابت للزيارة، وعلى القائم بالوصاية على الأطفال من الوالدين أن يدعم هذا التوجه بقوة، ويفضل قضاء يوم كامل كل أسبوع أو أسبوعين مع الطفل على الزيارات الخاطفة المتكررة المستعجلة. حاولي ألا تنشغلي بالعديد من الأشياء في هذا اليوم، وإذا كان هناك أكثر من طفل واحد، فيتحتم على الزائر من الوالدين أن يقضي وقتاً متساوياً مع كل طفل؛ حتى لا يكون هناك شعور بتفضيل أحدهم على الآخر. سوف يتطلع الأطفال إلى هذه الزيارات؛ لذا يجب الالتزام بها وعدم الإخلال بها، بالإضافة إلى تذكر الأعياد والحفلات والمناسبات الأخرى الخاصة بالطفل، ويجب أن يعمل كلا الوالدين على أن تكون هذه الزيارات سعيدة وممتعة للطفل، كما يجب أن تسمحي للطفل بأن يخبرك عن مشاعره السعيدة للوقت الممتع الذي قضاه مع أحد والديه. يجب أن يحصل الطفل على رقم الهاتف الخاص بالمنفصل (غير الوصي) من والديه؛ وتشجيعه على الاتصال به في مواعيد منتظمة.
* البحث عن بديل: اطلبي من الأقارب أو من أحد الإخوة أو الأخوات الكبار أن يتطوعوا لقضاء بعض الوقت مع الطفل في حالة عدم اهتمام المنفصل من الوالدين بالأطفال، وعليك أن تبيني للطفل أن والده (أو أمه) ليس بإمكانه زيارته في الوقت الحالي، نظراً لانشغاله بحل بعض المشاكل الخاصة به، وليس بوسعك أن تفعلي أي شيء لتغيير ذلك.
* مساعدة الطفل على التحدث عن مشاعره المؤلمة : فعند انفصال الوالدين يصاب العديد من الأطفال بالقلق والاضطراب والاكتئاب، وتصبح دموعهم قريبة، ويقل نومهم ويصابون بآلام بالبطن، ويتدنى مستوى أدائهم الدراسي، ويجب تشجيع الأطفال للتحدث عن مشاعرهم، والتجاوب لذلك بالتفهم والتأييد؛ لمساعدتهم على التغلب على تلك المشاعر المؤلمة، كما أن تناول حالات الطلاق بالنقاش الجماعي في المدرسة قد يخرج هؤلاء الأطفال من العزلة، ويخلصهم من الخجل الناجم من هذا الوضع.
* التأكيد للأطفال أنهم ليسوا مسؤولين عن طلاق والديهم: يشعر الأطفال غالباً بالذنب، معتقدين أنهم بطريقة ما قد تسببوا في طلاق والديهم، ويحتاجون في هذه الحالة إلى طمأنتهم والتأكيد لهم بأنه ليس لهم علاقة بحدوث هذا الطلاق، وأن ذلك أفضل من استمرار العلاقة مع المشاكل.
* إقناع الطفل بأن الطلاق هو شيء نهائي: حيث قد يتعلق بعض الأطفال بأمل أنه من الممكن رجوع العلاقة بين والديهم، ويعتبر أن هذا الانفصال حالة مؤقتة، ولكن توضيح الأمر للطفل بأن الطلاق أمر نهائي يساعد الطفل على تقبل الأمر بسرعة والتعايش معه بواقعية.
* حماية مشاعر الطفل الإيجابية نحو والديه: يجب على الوالد الذي يقوم برعاية الطفل والوصاية عليه أن يذكر الخصال الحميدة في الطرف الآخر (المنفصل)، ولا داعي لإطلاع الطفل على المشاعر السيئة السلبية تجاه هذا الطرف (حيث يمكن التنفيس عن هذه المشاعر لأحد الكبار وليس مع الأطفال)، فالحط من قدر الطرف الآخر واحتقاره أمام الطفل يقلل من اعتزاز الطفل وثقته بنفسه، ويضعه تحت كبت وضغوط أكبر.
ولا ينبغي دفع الطفل للتحيز إلى أحد الجانبين، حيث يجب أن يكون باراً بوالديه دون تحيز، وعليه أن يحب كليهما حتى إن كان الوالدان لا يحب أحدهما الآخر.
* الحفاظ على التربية الطبيعية في كلا المنزلين: يحتاج الأطفال إلى نظام تربوي ثابت ومطرد، فإن التدليل المفرط والتساهل الكبير من قبل أحد الوالدين يجعل تربية الطفل وتهذيبه صعباً على الطرف الآخر؛ فالتنافس المستمر لكسب محبة الطفل بمنحه الهدايا والامتيازات الخاصة قد يفسد سلوك الطفل.
* يجب عدم محاورة الطرف الآخر حول شؤون الطفل في حضوره: يصاب الأطفال بالحزن عندما يرون شجار والديهما، ومن المهم عدم الجدال حول الأمور التي تتعلق بزيارة الطفل أو حضانته أو نفقته في حضوره.
* محاولة تجنب النزاعات التي قد تنشب حول حضانة الطفل: الطفل بأمس الحاجة إلى الشعور بالاستقرار؛ لذا يجب عدم النزاع على حضانة الطفل إلا إذا كان الطرف الآخر الذي يقع الطفل تحت وصايته يتسبب في أضرار واضحة أو مضايقات متكررة للطفل، أما الاتهامات الباطلة بإلحاق الضرر بالطفل بدنياً أو جنسياً؛ فهي تتسبب في جرح مشاعر الطفل بشدة، وإذا كان بالإمكان فلا يُفرق بين الإخوة (أي بذهاب بعضهم مع أحد الوالدين والبقية مع الآخر) إلا بعد بلوغهم سن المراهقة، وتعبيرهم بوضوح عن تفضيلهم العيش مع طرف دون الآخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق