قيظ الصيف وزمهرير الشتاء، واعتدال الربيع ورياح الخريف، لا تؤثر فقط على مزاجنا ونفسيتنا، وإنما على أجسامنا أيضا. ويبدو أن هذه التأثيرات مهمة لدرجة دفعت وزارة الصحة الفرنسية بالتعاون مع دائرة الأرصاد الجوية، إلى تأسيس لجنة الصحة الحيوية الطقسية لمراقبة ومتابعة التغييرات في الطقس وتأثيرها على الصحة.
الشتاء: القلب يعاني
قد يكون فصل الشتاء باردا وقارص البرودة، وتزداد برودته كلما ابتعدنا عن خط الاستواء واقتربنا من أحد القطبين، شمالا أو جنوبا. وتتفادى بعض الحيوانات هذه البرودة ونقص الغذاء بلجوئها إلى السبات الشتوي، كما يفعل الدب القطبي والمرموط والفقمة. لكن جسم الإنسان ليس مصمما أو متكيفا لممارسة السبات، فدرجة حرارته ثابتة في حالة الصحة على 5ر37س. ويعمل منظم الحرارة الداخلي لدينا على تثبيت هذه الدرجة. يوجد هذا المنظم في غدة تحت المهاد (هيبوثالمس).
في درجات الحرارة المعتدلة أو المثالية( نحو20 س) يعمل الكبد والقلب والدماغ والعضلات والغدد الصماء، من خلال عمليات الأيض أي حرق الغذاء، على توليد الطاقة لضبط درجة حرارة أجسامنا. لكن عندما تنخفض درجة الحرارة كثيرا يلجأ الجسم إلى آليات ووسائل أخرى لتوليد الطاقة: فالعضلات تهتز لا إراديا، وهذه هي القشعريرة، والشعر ينتصب ليشكل طبقة عازلة حول الجلد، كما أننا نميل إلى ضم أرجلنا إلى أجسامنا، أثناء النوم مثلا لتقليل مساحة الجسم المعرضة للجو. وتتقلص الأوعية الدموية تحت الجلد لتقليل فقد الحرارة عبر الجلد، فتقل تروية الجلد بالدم ويبرد بينما يتوجه الدم بتركيز أكبر نحو الأعضاء المهمة والحيوية، ويرتفع الضغط الدموي، مما قد يضر بكبار السن الذين يعانون من مشاكل في القلب والأوعية الدموية. وتدل دراسة تدعى ”مونيكا” أجريت عام 1999 في 21 دولة أوروبية على ارتفاع نسبة الوفيات في فصل الشتاء. وخاصة بين كبار السن والأطفال. وان كل انخفاض قدره درجة واحدة يرفع إصابات الذبحة الصدرية بنسبة 8,2%. وإذا برد الطقس فجأة بمقدار 10 درجات، زاد ترسب الدهون في الشرايين بنسبة قد تصل إلى 5%.
ولا شك أن لتمدن الإنسان وتحضّره دورا في جعله هشاً ضعيفا في مواجهة البرد. إن تقلبات الطقس التي تواجهها الحيوانات البرية عارية عزلاء أصبحت قاتلة للإنسان الذي يرتدي ملابس ثقيلة ويحتمي داخل منازل مدفأة..
يؤثر برد الشتاء أيضا على جهازنا التنفسي ، حين نستنشق الهواء البارد، فتضعف مقاومتنا للميكروبات ويزداد احتمال الإصابة بالرشح والأنفلونزا، أو نوبات الربو. وقد يؤدي هذا إلى صعوبة في التنفس. فيقل تزويد الجسم بالأكسجين، ولتدارك هذا النقص، يزيد القلب ضخه للدم مما يشكل خطرا على مرضى القلب.
الربيـــــع: الشمس تقوي عظامنا
يحل الدفء ويطول النهار وتزدهر الحياة وتزهو بمختلف أشكالها حولنا. ومع تعرضنا لأشعة الشمس يصنع جلدنا فيتامين د الضروري لصحة عظامنا.
لكن شمس الربيع قد تخدع أحيانا، فقد تغادر منزلك بملابس خفيفة لتفاجأ ببرودة الطقس في الخارج، ويعاني جسمك من نتائج البرودة.
ولا ننسى تأثير حبوب الطلع أو اللقاح على من يعانون من حساسية الربيع.
الصيف : التعرق يحفز الطاقة
مع الدفء والتشمس تتوسع مسامات الجلد والأوعية الدموية، ويرافق ذلك تسارع نبض القلب، وهذا يعني أن الحرارة العالية، مثل البرودة البالغة ، غير ملائمة لمرضى القلب. ومع توسع المسامات يزيد إفراز العرق الذي يتبخر عن الجلد ليلطف تأثير الحرارة على الجسم ويبرده.
ويصاحب العرق أملاح معدنية ذائبة فيه، ونقص الأملاح قد يسبب تشنجات في العضلات. ويجب بالتالي شرب كميات كافية من الماء ( 3 لترات في بلادنا)، للوقاية من حصى الكلى، وتناول الفواكه والخضار لتعويض الأملاح المفقودة، وهذا ينطبق بشكل خاص على كبار السن والأطفال. مع تقدم السن يتناقص عدد غدد العرق لدى النساء بشكل خاص وبالتالي يقل التعرق، فيفقد الجسم وسيلة فعالة لتبريده في الطقس الحار، ويتعرض الإنسان عندئذ لمخاطر صحية.
وأخيرا نذكر مصدر مضايقة للمصابين بالصداع النصفي ( الشقيقة) فالرياح الخماسينية الحارة تكون مشحونة كهربائيا مما قد يطلق نوبات الصداع.
الخريف: هبوط المعنويات
توالي درجات الحرارة انخفاضها ( وهذا محبط لسكان القارة الأوروبية الباردة وليس لنا بالضرورة). ويرافق ذلك عادة انتهاء إجازة الصيف للطلبة والمعلمين ولمختلف الفئات في عصرنا هذا. ويميل النهار للقصر، مما يحفز زيادة إفراز هرمون الميلاتونين الذي يفرز في الظلام والذي يدفع الإنسان للنوم. وكل هذا يساهم في اختفاء مشاعر البهجة والانطلاق التي قد يتمتع بها الناس خلال العطل الصيفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق