يظل مفهوم العمل التطوعي بحاجة إلى مزيد من الدعم من بيئة المجتمع العامة ومن البيئة الأسرية والبيئة التعليمية وأيضا من المسجد، لأنه لم يصل حتى الآن إلى أن يكون ثقافة مجتمعية عامة كما هو الحال في العديد من البلدان غير العربية، وبعيداً عن توجيه الاتهامات بالتقصير لهذه الجهة أو تلك يظل السؤال الأبرز والأهم هو: كيف يمكن من خلال تنوع البيئات السالفة الذكر تدعيم ثقافة العمل التطوعي؟
في إجابته يقول مدير معهد التربية الفكرية بجدة أحمد الزيلعي: إن التعليم يسهم في تدعيم ثقافة التطوع بين فئة الطلاب وهناك نشاطات داخل المدارس تدعم هذه الفكرة، فحصص النشاط المدرسي اللامنهجي المقررة من قبل إدارة التعليم تعلم الطلاب جزئيات من ثقافة العمل التطوعي، ونحن بحاجة ماسة إلى أن تكون ثقافة التطوع أوسع انتشارا لكن لا تستطيع المدرسة أو الإدارة التعليمية نشرها وحدها لأن الأمر يحتاج إلى تكامل في هذه العملية بين المدرسة والبيت والمسجد والبيئة العامة.
وعن سبب عدم إقبال الشباب على العمل التطوعي يطالب عميد كلية المجتمع في جدة الدكتور عبد الملك الجنيدي أمانة جدة وأمانات مناطق المملكة أن يكون هناك تعاون بين القائمين على أمور الشباب سواء على المستوى الرسمي أو الأهلي أو حتى القطاع الخيري لتنفيذ دورات أو ورش عمل بمشاركة الشباب والمختصين والتربويين والدعاة والأئمة والخطباء لنشر ثقافة العمل التطوعي بين الشباب، فالشاب اليوم ( وهذا من باب الواقع) يرى حرجا في ممارسة العمل التطوعي باستثناء العمل الخيري المعروف لأن المجتمع لا يتقبل أو لم يصل بعد إلى فهم دور العمل التطوعي، وهذا من أكثر العوامل منعا للشباب من الانخراط في العمل التطوعي، وهناك دراسة قدمها الدكتور راشد بن سعد الباز خلصت إلى أن عدم تقدير المجتمع وغياب التوعية الإعلامية وعدم تشجيع المؤسسات للشباب على التطوع وعدم وجود تنظيم للمشاركات التطوعية إلى جانب بعض المعوقات الإدارية من العوامل التي تعيق مشاركة الشباب في العمل التطوعي.
ويشير الدكتور الجنيدي إلى أن الدراسة خلصت إلى أنه ينبغي الاهتمام بالعمل التطوعي نظرا لتعدد المشكلات التي تواجه أفراد المجتمع وتنوع احتياجاتهم وارتفاع تكلفة الخدمات مقرونا بالتقلبات الاقتصادية، وأن لدى الشباب في المجتمع السعودي رغبة في خدمة مجتمعهم والمشاركة في العمل التطوعي خاصة وأن الإسلام يحث على التطوع الذي يؤثر في نفوس الأفراد في المجتمع السعودي.
من جهته قال إمام جامع المهاجرين بحي السامر الشيخ عبد الله الغامدي إن المسجد يعتبر ركيزة أساسية في حياة المسلمين ويلعب دوراً ريادياً داخل الأحياء بطرح بعض المشاريع داخل نطاقها والطلب من أهل الحي الشباب والرجال والنساء القيام بها وبذلك تكون الرسالة قد وصلت، ويجد الشباب أنفسهم مدفوعين بحسهم الديني إلى التجاوب مع نداءات ودعوات المسجد والانخراط في النشاط التطوعي، ونكون نحن قد حققنا الهدف الشرعي من التطوع في المجتمع بطريقة عملية، ولابد أن تستثمر أمانة جدة هذا الأمر، واتفق مع ما طرحه الضيوف من ضرورة تنسيق هذه الجهود مع الأمانات والبلديات.
ويعبر الإعلامي ناصر آل فرحان عن رأيه قائلا: إن فهم ثقافة العمل التطوعي يحتاج إلى تأصيل، فالتطوع في الغرب يقوم على العمل مع الحصول على مكافأة كأجر رمزي، وكان هذا غائبا عن ذهن البعض وعندما طبق هذا الفهم في بعض المجالات خلال الخمس سنوات الماضية كان هناك إقبال ملفت للنظر من الشباب ليس بسبب المكافأة الرمزية كما يعتقد البعض، ولكن للتقدير الذي يراه المتطوع من القائمين على هذا العمل الخيري وهذا ما كان عليه الوضع في المخيمات الصيفية، لذلك أقترح على أمين محافظة جدة المهندس عادل فقيه أن يؤصل هذا التعاون بين الأمانة والمخيمات التي استقطبت طاقات الشباب وملأت الفراغ لديهم بنشاط روحي وثقافي ورياضي وترويحي.
أما أستاذ علم الاجتماع الدكتور راشد ن سعد الباز فيقول: إذا ما أردنا أن تكون ثقافة التطوع ثقافة عامة لدى الشعب السعودي علينا الاهتمام بالتوعية الإعلامية واستخدام وسائل الإعلام المختلفة في تبصير أفراد المجتمع بدور العمل التطوعي وأهميته في تنمية المجتمع، وإنشاء هيئة يناط بها العمل التطوعي وشؤونه ورسم سياساته، والعمل مع المؤسسات ذات العلاقة لفتح الطريق أمامه، وتسهيل الإجراءات للراغبين في المشاركة وتشجيعهم ومنحهم حوافز معنوية تقديرا لما يقومون به، وتفعيل المشاركة بين الشباب من خلال القطاع التعليمي بتضمين العمل التطوعي في المناهج الدراسية ومشاركة الطلاب في أعمال تطوعية لخدمة المجتمع، مع رفع مكانته من قبل أجهزة الدولة وتقدير العاملين والمشاركين فيه، وإقامة الندوات والمؤتمرات التي تتناول موضوعه وقضاياه لزيادة الوعي والاهتمام به في المجتمع.
يشار إلى أن آخر دراسة أجراها الدكتور راشد بن سعد الباز قبل ثلاث سنوات تقريباً على عينة تضم 163 شابا جامعيا ممن يدرسون بقسمي الشريعة والاجتماع والخدمة الاجتماعية في مدينة الرياض لمعرفة مدى اهتمام الشباب بالعمل التطوعي أظهرت أن الغالبية العظمى منهم لا تشارك في أعمال تطوعية، ف 147من أفراد العينة أي حوالي 90% منهم لديهم وقت فراغ، والباقون وعددهم 16 مشاركاً ليس لديهم وقت فراغ. وبينما نفى 127 مشاركاً بنسبة 78% مشاركتهم في أعمال تطوعية وأشار 22% إلى أنهم شاركوا في أعمال تطوعية، علما أن أفراد العينة غالبا يكونون أكثر اطلاعا والتصاقا بقضايا التطوع بحكم دراستهم، كما تم توضيح أن المقصود بالمشاركة هو الأعمال والجهود التطوعية التي تتبع أو تشرف عليها مؤسسات أو جهات حكومية أو غير حكومية دون الحصول على مرتب.
وبتحليل نتائج الدراسة تبين أن 96 شابا بنسبة 59% منهم يوجد لديهم رغبة في المشاركة في العمل التطوعي بينما 59 منهم بنسبة 36% لديهم هذه الرغبة أحيانا، وأبدى 7 شبان بنسبة 4% عدم رغبتهم في المشاركة، وفيما أكد 51 شابا وجود تقدير من المجتمع للمشاركة في العمل التطوعي رأى 24 شابا أنه لا يوجد تقدير من المجتمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق