الثلاثاء، 9 فبراير 2010
عُمـان تغـرد خـارج سـرب سـياحـة الخليـج
منتجع شانغريلا بر الجصة، الذي يقع على أطراف مدينة مسقط يعج بالزوار، حتى في خضم موجة الحر الصيفية، وتجد الزوار الخليجيين وهم يرتدون الدشداشة البيضاء جنباً إلى جنب، في منظر مكمل للبشرة الشاحبة للزوار الأوروبيين الأثرياء.
رغم أن السياحة العالمية تضررت في الآونة الأخيرة، إلا أن الزوار استمروا في التوافد على عُمان. وانضم إليهم هذا العام عدد أكبر من المعتاد من الزوار العرب، الذين يعزفون الآن عن السفر مسافات طويلة بفعل الركود الاقتصادي، والمخاوف من انتشار وباء إنفلونزا الخنازير.
تقدِّر صناعة السياحة في عُمان أن عدد السياح بلغ 1.1 مليون زائر في النصف الأول من العام، وتقول وسائل الإعلام المحلية إن هذا الرقم للعام الحالي، هو أكبر من عدد السياح الذي سُجَِل في الفترة نفسها من العام السابق، ومقداره 980 ألف زائر. ولا شك أن هذه الزيادة هي موضع ترحيب في هذا البلد الخليجي الصغير، حيث تصبح السياحة بصورة متزايدة صناعة مهمة.
غالباً ما تعتبر سلطنة عمان على أنها البلد المختلف ضمن بلدان الخليج الرئيسية الستة، حتى من قبل العمانيين أنفسهم. وقد أخذ اقتصادها الآن بالتميز عن بقية بلدان الخليج، بفضل قوته النسبية في وجه الركود الاقتصاد العالمي.
يقدر بانك أوف أمريكا ميريل لينتش Bank of America Merrill Lynch أن معدل النمو الاقتصادي الحقيقي لعُمان سيستمر عند معدلات صحية طيبة، حيث سيبلغ المعدل 4 في المائة لهذا العام و5.4 في المائة في عام 2010. وفي حين أن هذا يعتبر تراجعاً عن نسبة النمو التي سُجِّلت في العام الماضي، وهي 6.2 في المائة، إلا أن هذه النسبة لن يتم التفوق عليها في منطقة الخليج إلا من قبل قطر، ذات الاقتصاد المدفوع بمبيعات الغاز الطبيعي، وفقاً لتحليلات البنك.
يقول المحللون إن الوضع المستقل لعُمان، ساعدها على تجنب عدد من المزالق التي وقعت فيها الدول الأخرى في المنطقة أثناء سنوات الطفرة الأخيرة.
تقول مارجريت بورسيل وهي كبيرة الاقتصاديين في بنك مسقط، أكبر بنك في عُمان: لم نشهد في عُمان النطاق نفسه من الفقاعات التي شهدناها في بلدان الخليج الأخرى. ويقول الاقتصاديون إن الوضع الاقتصادي تعزز كذلك بفعل زيادة الإنفاق الحكومي، والوضع المتين نسبياً في قطاعي المصارف والسياحة وارتفاع أسعار النفط.
وفي حين أن عُمان تعتبر من البلدان الصغيرة المصدرة للبترول الخام مقارنة بكثير من جيرانها الخليجيين، وفي حين أنها بذلت جهوداً كبيرة للتنويع الاقتصادي والدخول في مجالات الشحن والغاز والسياحة، إلا أن اقتصادها يظل مرتبطاً بالنفط بنسبة 80 في المائة، وفقاً لما تقوله بورسيل. لكن على خلاف البلدان الأخرى في منطقة الخليج، فإن البنوك العمانية تمكنت بصورة كبيرة من تجاوز أسوأ ما في أزمة الانقباض الائتماني، واستمرت في مقدرتها على الإقراض، وإن كان ذلك بمعدلات أبطأ من ذي قبل. وفي بيان إلى صحيفة «فاينانشال تايمز» قال حمود بن سنجور بن هاشم الزدجالي، محافظ البنك المركزي العماني: إنه مما يبعث البهجة أن نذكر أنه لم يكن هناك أي بنك عماني، كانت لديه تعاملات مع الموجودات المالية السامة أو مع المؤسسات المالية العالمية المعتلة.
تقول بورسيل إن معدل النمو في البنوك التجارية في شهر حزيران (يونيو) الماضي تراجع إلى 21 في المائة، بعد أن بلغ الذروة عند 55 في المائة في عام 2008، لكن البنوك مستمرة في الإقراض بمعدلات طيبة تفوق المعدلات التي تسجلها معظم البلدان الخليجية.
لكن العدد المتزايد من القروض غير المنتِجة يظل أحد مَواطن القلق. في الشهر الماضي خفضت وكالة فيتش للتقييمات الائتمانية المرتبة الائتمانية الخاصة بثلاثة بنوك عمانية صغيرة. لكن وكالة موديز، وهي وكالة أخرى للتقييمات الائتمانية، تقول إن القطاع البنكي العماني، بصورة عامة، يظل مستقراً وذلك بفضل العزلة النسبية للاقتصاد العماني.
كذلك قررت الحكومة زيادة الإنفاق بنسبة 11 في المائة هذا العام في سبيل مساندة الاقتصاد، وسيكون هناك عجز في الميزانية مقداره 810 ملايين ريال عماني (2.1 مليار دولار) سيتم إطفاؤه بفعل الزيادة في أسعار النفط، وفقاً لما تقوله المجموعة المالية إي إف جي هيرميس، المصرف الاستثماري الإقليمي.
كذلك قررت الحكومة تخفيض نسبة الضريبة على الشركات الأجنبية لتكون بمعدل ثابت هو 12 في المائة، وهي نسبة يقول عنها بعض الخبراء إنها يمكن أن تشجع المزيد من الشركات الأجنبية، على إنشاء حضور دائم لها في عُمان.
لكن عُمان تواجه بعض التحديات. العجز المتوقع في الميزانية، سيتعين تمويله باللجوء إلى احتياطي العملة الأجنبية، البالغ 30 مليار دولار تقريباً، ومن خلال إصدار السندات. من جانب آخر كانت هناك مناطق في السلطنة لم تنجُ من آثار الركود الاقتصادي العالمي، والتراجع في أسعار العقارات الإقليمية.
مشروع المدينة الزرقاء في عُمان، الذي تبلغ تكاليفه 15 مليار دولار، وهو مجهود مهم للتنويع الاقتصادي ويشتمل على مستشفيات ومدارس ومساكن، يعاني من المشكلات منذ إطلاقه في عام 2006، لكنه أصبح بصورة متزايدة يسير بسرعة بطيئة في وجه الانقباض الائتماني.
هناك الآن نزاع قانوني بين اثنين من الشركاء في المشروع، وهما شركة إيه إيه جيه هولدنج AAJ Holding البحرينية، وشركة سايكلون من Cyclone عُمان، وقد خفضت كل من وكالتي موديز وفيتش التقييم الائتماني لسندات المدينة الزرقاء إلى مرتبة قريبة من السندات الخطرة، بسبب الصعوبات في بيع وحدات في المشروع.
في شهر تموز (يوليو) الماضي، قالت وكالة فيتش إن المبيعات كانت بطيئة إلى درجة أنه لم تكن هناك نقود كافية لتسديد الدفعات المستحقة لشركة المقاولات AECO. وقالت إنه إذا «لم تتم زيادة الإيرادات بصورة كبيرة على المدى القصير، فإن الأموال المتبقية من الدفعة الأولى (مبلغ المقدم)، يرجح له أن يسدد دفعات شركة المقاولات لمدة ثلاثة أشهر تقريباً.
لكن في حين أن عُمان تواجه الركود الاقتصادي، إلا أن التوظيف المستمر في الارتفاع. في شهر أيار (مايو) الماضي، ارتفع معدل توظيف العمانيين بنسبة 8 في المائة (بالمعدل السنوي)، وارتفع معدل توظيف الأجانب بنسبة 16 في المائة، وفقاً لبنك مسقط.
وفي حين أن هذه النسبة هي أبطأ من أرقام الذروة في عام 2008 (15 في المائة للعمانيين و27 في المائة للأجانب)، إلا أنها، كما تقول بورسيل: نسبة تُظهِر أن الاقتصاد لا يزال يدور بمعدل طيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق