الخميس، 15 أبريل 2010

الواهمون

هؤلاء الذين يحلمون ويدعون ليلا ونهارا إلى حياة كلها حب وسلام وعدل وصدق ووفاء وتوافق وتعاون ورخاء هم مخطئون

حتى افلاطون الذي كان يحلم بمدينة فاضلة على كوكبه هو أيضا كان مخطئا

هؤلاء يحلمون بالجنة التي وعد الله بها المتقون أن تكون على كوكبهم لكنهم لا يعلمون أن هذه الجنة ستكون هي أشقى مكان في هذا الكون لو تحولوا إليها

هل فعلا هؤلاء مخطئون؟

نعم هم مخطئون ببساطة لأن ذلك لا ينسجم مع نظرية التوازن السلوكي في النفس البشرية التي أوجدها الله
لنرى

يقول علماء الفلك أن الكون وما فيه من مجرات ونجوم وكواكب كله قائم علي حسابات دقيقة متوازنة في نسبها وهذا التوازن هو سر بقاء الكون بهذا الثبات

ولو لاحظنا لرأينا أن هذه النظرية الكونية القائمة على نظرية الميزان أو التوازن هي تتوافق مع قول الله " والسماء رفعها ووضع الميزان " وفي موضع آخر قال " إنا كل شيء خلقناه بقدر"

إذً من خلال هذه الثوابت الكونية ومن خلال الآيات سالفة الذكر يمكننا أن نستشف أن هذا الوجود هو قائم على نظرية الميزان ويقصد بالميزان أي التوازن في الشيء والشيء المضاد

ثم إن قول الله " إنا كل شيء خلقناه بقدر" يعني شمولية التوازن في كل الأشياء التي خلقها وأوجدها سواء كانت تمس الجانب المادي أو الجانب المعنوي لأن كنه الشيء يشمل هذين الجانبين

وقد نرى من خلال آيات أخرى دليل وإثبات آخر على نظرية التوازن وضرورته حتى في الجانب المعنوي مثل النفس البشرية

كقوله تعالى " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها "
والتوازن هنا هو في إلهام النفس بفجورها وبتقواها

حتى بعض المفكرين والفلاسفة نراهم يؤكدون هذه الضرورة

يقول ابن خلدون: إن التنازع والتوافق هما عنصران أساسيان من عناصر الطبيعة البشرية.

أما " صموئيل بتلر" فيصف الحياة الاجتماعية بأنها عبارة عن خيط وسكين. فالخيط يربط الناس بعضهم ببعض بينما السكين تقطع هذا الرباط

فالمجتمع الفاضل الذي يتخيله الفلاسفة هو وهم لا وجود له وغاية يستحيل تحقيقها وربما يكون ذلك إذا توفرت عناصر بشرية مختلفة عنا في فطرتها أو ذات عصمة إلهية

إن النفس البشرية مفطورة على الخير وعلى الشر فهاتان صفتان ملازمتان للإنسان
ولا تتحقق متعة الحياة إلا بممارسة هذا التوازن ذلك أن هذا التوازن هو الذي يعطي لنا الشعور بالبهجة ويقتل الرتابة في الحياة

وقد نرى بعض الأحاديث النبوية وكأنها تناقض بعضها بعضا وهذا ما قد نتصوره ولكن هذه الأحاديث تؤكد لنا ضرورة هذا التوازن فالرسول لا ينطق عن الهوى

ففي حديث يقول الرسول الأكرم "لا تختلفوا فان من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا".
وفي حديث آخر كان يقول " اختلاف أمتي رحمة "

فالتناقض هنا هو في النهي عن الاختلاف ثم القول بأن الاختلاف رحمة

لا شك أن الاختلاف أو التنازع مضر بالإنسان ولكنه نافع له أيضاً. فهو الذي يحفز الإنسان نحو العمل والإبداع وهذا بلا ريب يعطي للإنسان شعورا بأنه حي وله قيمة في وجوده

فلو أن الحياة خلت من التنافس والتنازع والحسد وعاش الناس في تراض وليس بينهم إلا الود ولوفاق والتعاون لملوا من رتابة هذه الحياة وفضلوا الموت عليها

يقال أن جماعة في أمريكا من أتباع فكرا جامد يشبه الرهبنة حاول أفراد هذه الجماعة أن يؤلفوا من أنفسهم مجتمعا هادئاً بعيدا عن تكالب الحياة. وقد نجحوا في ذلك أول الأمر ولكنهم سئموا منه أخيرا وهربوا
وقال احدهم بعدما عاش بينهم بضعة أيام: أصبحت أشتهى أن اسمع طلقة مسدس أو ألمح لمعان خنجر أو أنظر إلى وجه شيطان, وأنه عندما خرج من هذا المجتمع الجامد قال: أنا سعيد حين أخرج إلى عالم فيه شيء من الشر.

يقول المفكرون لو أننا نحن البشر طلبنا من الله أن يخلق لنا جنة في الدنيا كالتي هي في الآخرة تلكم الجنة التي وعد بها المتقون ولبى الله طلبنا, فسوف تبدو لنا هذه الجنة وكأنها أشقى مكان في هذا الكون, وسوف نسأم منها ومن رتابة العيش فيها ذلك أن الحياة في الجنة هي خالية من كل صفات الشر إنها حياة ملائكية ولا يمكن لنفس بشرية على طبيعتها الدنيوية أن تستسيغ تلك الحياة فالنفس البشرية بطبعها تشتهي التنازع والتكالب والاختلاف والتنافس كي تنشغل بذلك عن سأم الحياة وتفاهة غاياتها

ولكن هذا الإنسان إذا مات فسوف تتغير طبيعة نفسه عن طبيعتها الدنيوية ولذلك هي سوف تتقبل وتستسيغ طبيعة الحياة في الجنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية