الأربعاء، 14 أبريل 2010

ترنيمة شعور

إنه الوداع الذي يثمر بنا مشاعر متناقضة بين الحب والكراهيه، حب المكان ، وكراهية الذكريات والألم الذي يخلفه بالنفس، حب صحبة وأخوة وذكرى رائعة، حب لعمل كأنه جزء لايتجزأ من كيان جسد بدأ يتخلله المرض يوماً بعد يوم، ليبعده شيئاً فشيئاً عنه، ولعين لم تستطيع أن تغفو قبل أن تكمله فهو نبض صغير بين حنايا القلب، وهو طفل لم يكبر بعد ولم أستطع أن أكمل إطعامه وأجعله يستقيم .


إنها ترنيمة شعور متناقض بالنفس بين الإقتراب والإبتعاد، لطفل لم يستطع أن يكمل خطواته الأولى، لأحرم منه لقرار يتيم أكان وليد لحظة أم خطأ، تلك اللحظات ثقيلة لا أعلم هل أخطو لها أم أقف، ولكن الولاء الذي يغلب القلب دائماً يجد نفسه يطيع فيجب الإبتعاد .


لأجد نفسي يوماً بعد يوم يخيم الصمت شعوري لأفتقد تلك الترنيمه التي كانت تعشق العمل ، فتبدأ مرحلة التأمل لمشاعر أخذها الإنفعال يوماً في تلك اللحظات لتخفي ألما يخلف دموعاً لانريدها أن تسقط ، فليس المكان مناسباً ولا الزمن .. وليس أمام أحد.


" أشكو وأشكر فعله

فأعجب لشاكٍ منه شاكر "

( المعري )



لحظة فكر يتيمة وهذيان للعقل .. تنتهي مع صوت الدكتور ليعيدني لأرض الواقع لمحاضرة جديدة حول الصحة وتلك الكتلة وتأثيرها بخلايا الأعصاب .. وكيفية الصمود والتغلب ..



يرحل من جديد لينادي تلك الممرضة ويكرر ذلك الإسم !

ليعود الفكر من جديد ذلك الإسم، يذكرني بها، زميلة الدراسة التي اختفت، إلتقيت بها بالسنة الأولى للدراسة بالمحاضرة الأولى في علم الشريعة فتاعرفنا.

لا أعلم ولا أذكر كيف إلتقينا صدفة من جديد بعد عام من بعد غياب، إنها الساعة الثالثة عصراً وهو وقت استراحتي رأتني وبيدي تلك القهوه وبالأخرى رواية .

رفعت رأسي لنادئها وابتسمت لهذا القدر، فجلسنا نتحدث .... ،، أيضاً من جديد كيف ومتى انحنى الحديث لأمورها الخاصة وجدتها تفضفض بلحظة عن مكنون نفسها فقالت لي :


" هو شخص يحبني، شخصاً يجعلني آمنه، وحينما أشعر بالألم، يستطيع أن يملأ كياني بهجة، هو نصفي الآخر ... "


تلك اللحظة كنت أشعر بأني أقرأ روايتي التي بين يدي على أرض الواقع، فجعلني ذلك أبتسم . واكتفيت بأن قلت لها أتمنى أن يصدق ذلك الحب .


" وعذلت أهل العشق حتى ذقته

فتعجبت كيف يموت من لايعشق

وعذرتهم وعرفت ذنبي أنني

عيرتهم فلقيت منه مالقوا "

( المتنبي )


ومضى على ذلك اللقاء ثلاثة أعوام ، وها أنا بالسنة الخامسة بمحاضرة إجراءات جنائية، كان الأستاذ يشرح لنا قضايا كثيره واقعية " التفتيش والضبط وحالة التلبس " وكيفية يتم اتخاذ الإجراءات بها من قبل موظفي النيابة العامة بالقضايا الجنائية، وفي ختام المحاضره قام بتوزيع مجموعة من الأحكام القضائية ليتم المناقشة بها وربطها بدراستنا .


قرأت القضية وبذهول وجدت اسماً مشابهاً لأسمها، وإسم ذلك الشخص في حكاية لا أريد أن أصدقها ولكنها واقع !


... فاطمة ..

نعم .. إنها نوره تحدثني لتجعلني أعود إلى جو المحاضرة ...

ماهي قضيتك ..

.. لم أقرأها بعد تصفحتها سريعاً ! ، وعاودت السؤال لها ... فتعرفت على قضيتها وقضية بعض الزميلات لأكتشف بأن الأستاذ قام بإزالة الأسماء من الأحكام ..


ولكن قضيتي ،، وقضيتان غيرهما لم يتم إزالة الأسماء ويبدو أنه خطأ من أستاذي.


لقد انتهت المحاضرة وقد رحل، ولم يعد الوقت مناسباً لعودة الأوراق له ليزيل الأسماء، وأعترف بأن نفسي قد حدثتني بعدم إبلاغه الآن بذلك الخطأ، فهناك شيئاً غامض أريد التأكد منه.


خلاصة الأمر، القضية هي لزميلتي التي اختفت من الجامعة وقد كنت أعتقد بأنها " تخرجت " فهي تكبرني بأربعة أعوام!

لم أعلم بزواجها بغير ذلك الشخص الذي كانت تحبه ، ولكن القضية كانت غريبة لي، بعد عام من زواجها وبالأشهر الأولى لحملها قتلت على أيدي ذلك الشخص " كان يوماً حبيباً "

كان لقائها به في مكان ما لترجوه نسيانها فهو قد خذلها وتزوج من أخرى، وحتى إن طلق زوجته لعدم استطاعته نسيانها فهي لن تعود إليه.



" أراك علي أقسى الناس قلباً

ولي حال ترق له القلوب

حبيب أنت قل لي أم عدو؟

ففعلك ليس يفعله حبيب "

( البهاء زهير )


وجدت يومها نفسي أمام مكتب الأستاذ أستأذنه لرد أوراق القضية وتغييرها وإضافة لذلك مناقشته ، إعترفت يومها له بأنها كانت زميلتي .... ودار حوار طويل ..
حدثني يومها وقال :

" طالب القانون ، يعاني بحياته العملية أكثر من مرحلة الجامعية، فالواقع بالمجتمع من قضايا ومآسي تفوق التصور، فما يتعلمه من إلتزام وشريعة بالتعاقد وحماية للحقوق والمجتمع ومبادئ وقيم يرتكز عليها علم القانون يناقض واقعنا ، وأوصاني لأن أخلص لهذا العلم ، علني يوماً أحقق جزءاً من العداله "



" هون على البصر ماشق منظره

فإنما يقظات العين كالحلم "

( المتنبي )



خرجت يومها من مكتبه، وكل ما أتذكره بأن هناك دمعة حبست قد أطلقتها عيني لألم قد ساورني، وجائني التسائل حول قضايا باسم الحب ومصيرها .. وتلك العقول أين ذهبت ..

كل ماأذكره وقتها بأن عقلي أخذ يسترجع كلماتها الأخيره في وصف شعورها.

لا أعرف لماذا تذكرت جزءاً من رواية " شقة الحرية " عندنا قال (( نشأت المصري لزميله البحريني عبدالكريم : مافيش لكن! غداً في بوفيه الآداب . لمع الجزمه . واغسل وجهك جيداً. وحاول أن تبدوا وسيماً .)) فهو سيلتقي بحبيبته فريدة!


لقد أبدع " د.غازي القيصيبي " بوصف مغامرات الحب وكيف وصف حال المحبه بأنها نصف طفل ونصف إمرأة، والمحب نصف طفل ونصف رجل، و سرد آخر للسياسة وعالم مجتمعنا العربي بروايته، كم أضحكني وآلمني في وقت واحد " .


- بعد ثلاثة أيام جلسة أخرى !

جعلني أعود للواقع صوته الذي بدأت أحفظة إنه الطبيب الممل ، ابتسمت له لا أعرف لماذا ، وهو يستمر بالتحدث

فتوقف لحظة ليسألني لماذا أبتسم هكذا !



" أخفيت عن كل العيون مواجعي

فأنا الشقي على السعادة أحسد "

( غازي القصيبي )



قلت له لأنني كنت أسترجع ذكرى ما، وأنت تقاطعني كثيراً بشكل مزعج !!

كيف قلت ذلك لا أعلم ولكني فعلتها ! وأنا أبتسم ببلاهه ،، رأيته يصدم ثم يضحك بصوت عال ليقول لي ستنامين بعد قليل !

ورحل ..

كان يضحك وجعلني أضحك ربما لكلماتي الغبية ... إن عيناي بدأت تغفو ...


وها هو الحنون يعود لي وأنا في سباتي فأجده يمسح على رأسي ، وتسقط قطرة على يدي اليمنى ! .. فأعلم رغم ذلك الضعف الذي ينتابني بأنه والدي العزيز .


" ياأبي، ماأنت في ذا أول

كل نفس للمنايا فرض عين

هلكت قبلك ناس وقرى

ونعى الناعون خير الثقلين

غاية المرء وإن طال المدى

آخذ يأخذه بالأصغرين

وطبيب يتولى عاجزاً

نافضاً من طبه خفي حنين

( شوقي )



فتغفوا عيني بشكل عميق ليذكر عقلي كلمات الطبيب التي شرحت بقايا عمر وأمل وألم كيف لي أن أبدأ من جديد .
وأعيش الحياة رغم كل شيء .



" ويغلبني ضعفي وخوفي من الردى

ومافي بنيات الزمان من الخب

فألجأ للقرآن في حومة الجوى

أداوي به دائي وأجعله طبي

وأدعوه في غور الدجى متضرعاً

أردد في سري وجهري : ياربي "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية