الأربعاء، 17 فبراير 2010

الصبر دليل على عظمة الإرادة

الصـــــــــــــــــــــــبر

وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}
الصبر حصن لا يهدم , وحد لا يثلم , الصبر أفضل عُدة في الشدة , وأكرم وسيلة لنيل الفضيلة , وأجمل أسلوب لطمأنينه القلوب , الصبر حسن توفيق , وأمارة سعادة , ودليل رشادة , وعنوان إيمان , وأنموذج إذعان , الصبر رضاً بالقدر , وتحمل للبلاء , وتسليم للجبار , واستجابة لمقدر الأقدار . الصبــــــــــــر ثبات القلب عند موارد الاضطراب , وحبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع .

والحـــــــــــــــــــادثات إذا أصــــــــــابك بؤســـــــــــــهــــــــــا


فــــــــــــهــــــــــو الذي أدراك كــــــــــيف نعــــيــــمــهـــا

إذا دْلهمّت الأمور , واسودت الحياة , وأظلمت الدنيا فالصــبر ضيـــاء ! .
إذا عظم الجزع , واشتد الخوف , وهيمن القلق , فالصـــبر جلاء ! .
إذا انسدت المطالب , وعظمت المصائب , وكثرت الرزايا , وزادت البلايا , فالصــــــبر دواء !.
إذا اصبح الدين في غربة , والإسلام في كربة , وعمت المعاصي , وهيمنت الشهوات , وعظمت الشبهات , فالصــــــــــــــــبر عزاء ! .

قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة 153
الصبــــــــــــــر دليل على عظمة الإرادة , وقوة العزيمة : {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43
الصبر حبس النفس عن الجزع والتسخط , وحبس اللسان عن الشكوى , وحبس الجوارح عن التشويش هو تجرع المرارة من غير تعبس والرضا بالمكتوب من دون تسخط ,
هو أصدق البراهين على الإيمان , فهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد , ولا إيمان لمن لا صبر له { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } الصابرون تفتح لهم الأبواب , ويوفون أجرهم بغير حساب , ويعطون جزاءهم بأحسن أعمالهم , قال جل وعلا {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل96
زفت لهم البشارة فقيل لهم :{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } وبشروا بقبول الأعمال الصالحة , والحظوظ العظيمة , فقيل عنهم : {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }فصلت35
فإن من علامات السعادة للمؤمن الصــــــــــــبر على الملمات , والرفق عند النوازل , والرضا عند الحوادث .

لا يملأ الهــــــــول صدري قبل وقــــعـتــــــــــه


ولا أضــــــــــيق به ذرعــــــــــاً إذا وقـــــــــــعـــا

مــــــــــا سُـــدّ لي مطــلــــعٌ ضــــاقت ثـنــيتـــه


إلا وجـــــدت وراء الضــــــيــق مُـــــــتســـــعـــــا

وقد جمع الله للصابرين أربعة أمور لم يجمعها لغيرهم وهي :
حسن البشارة , والصلاة منه عليهم , ورحمته لهم , وهدايته لهم ,
فقال : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{157}[ البقرة : 155 يقول صلى الله عليه وسلم : (( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما امره الله{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أخلفه الله خيراً منها ))رواه مسلم ] فهنالك أمران مما يسلي المؤمن في مصيبته , ويعينه عند محنته :
الأول : أن يعرف أن أهله وماله ملك لله عز وجل على الحقيقة , وأنه ليس إلا أميناً على ما في يده , فإذا أخذه الله تعالى منه فكأنه رد الأمانة إلى صاحبها , فليس العبد هو الذي أوجد الشيء , وإن المالك الحقيقي لذلك هو الله عز وجل وهو المتصرف فيما يريد .
الثاني : ما دام مصير العبد إلى الله فيجب عليه أن يعلم أن هذه الدنيا إنما هي رحلة قصيرة مهما طالت , وأنه سيتركها عاجلاً أو آجلا , وأنه سيلقى ربه كما خُلق أول مرة بلا أهل ولا مال , وإنما سيلقاه بحسناته وسيئاته , فإذا كان الأمر كذلك فكيف يفرح بموجود , ويأمن المفقود ؟ , وذلك ما يوحي به قوله تعالى : { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } .

إن الأمـــــــور إذا ســـــدت مـطـالـبـــــــــــهـــــــــــــا


فـــالصــــبر يفتــق منهـا كـــل مـا ارتتـــــــجــا

لا تـــيــــــــــــأســـن وإن طــــالـــت مــطــالــــبــــــة


إذا اســــــتــــــعنت بصــــــــبرٍ أن تـــــرى فــــرجــا

أخْــلِـــق بـذي الــــــصــــبر أن يحــظــى بـحـــاجــتـه


ومــــــدمـــن القـــــرع لــلأبــــواب أن يـــلــجــــــــــا

فيامن بليت بمصيبة من مرض مزعج , أو ألم مضنٍ , أو فقد لقريب , أو موت لحبيب , عليك بالصبر فإنه مرضاة للرب , مذهب للهم , طارد للغم , مُعْظِمٌ للأجر, مُؤْذِنٌ بالعوض .

إن الـــــــــذي عـــقـــــد الــــذي انــــعـــقـدت لــــــه


عُـــــقــــد الـــمكـــــاره فــــيــــك يــــملـــكُ حلّـهــــا

صـــــبراً فـــــإن الصبــــــــــر يُــعقــِب راحـــــــــةً


ولـــعـــــلّــهـــا أن تـــنــجـــلــــي ولــــــعلــــهـــــــا

يقول صلى الله عليه وسلم : (( إذا أحب الله قوماً ابتلاهم , فمن صبر فله الصبر , ومن جزع فله الجزع ))[ رواه أحمد ] .
واستمع إلى هذا الحديث الناصح , والكلام الرائع , من الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى : (( مــا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة ))[ رواه الترمذي ]

مختصر من كتاب نسيم الحجاز من مسجد ابن باز ( 1 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية